يستشهد البعض بكلمات السيدة العذراء مستخدمين إياها، ليقولوا أن لا دور لها ولامكانة سوى أنها تطلب من المسيحيين الأمتثال لأقوال ابنها الحبيب المجيد،
وكأنها تسأل المؤمنين أن يتركوها وشأنها ولايعطوها "أهمية". ولا تضحي مريم العذراء، والحالة هذه إلا مؤشرا يشير الى المسيح، طالبة أن يجهلها الناس أو يتجاهلوها.
ولكن هذا التفسير غريب عن النص والسياق كل الغرابة، لأن كلمات والدة المسيح المستشهد بها ليست موجهة في الفصل الثاني من إنجيل يوحنا الى عامة المسيحيين بل الى مجموعة محدودة جداً من الخدام العبرانيين، الموجودين في عرس قانا الجليل. وكلماتها أوامر واضحة
لايعصاها لا الخدام ولا
السيد المسيح نفسه. إنها السلطانة الفريدة التي تصدر تعليماتها، فلاتقبل عذراً ولا تأجيلاً ولا استئنافاً ولامجادلة: عبر ابنها الملك عن عدم رغبته في مساعدة أهل العرس، وكانت تلك الحركة مناورة منه مقدسة كما سيفعل مع الأم الكنعانية
(راجع متى15: 21-28). وهي لاتكترث بمماطلته ومناورته لثقتها الكاملة بقدرته العجائبية. وتنادي الخدام بلهجة
السلطانة وبحنان الوالدة وتأمرهم:"مهما قال لكم(ابني)، فأفعلوه"، مع أبنها أبدي خارجيا عدم استعداد لأن يأمرهم بأي شيء، أو يحرك ساكنا. أما المقصود من أقوال السيدة فهو شيئان أدركهما الرب
يسوع المسيح ونفذهما مع الخدم، فكان يسوع من جهة والخدام من جهة اخرى في طاعة الوالدة السيدة: : مهما قال لكم فأفعلوه: أي
" أنا مريم آمركم بأن تطيعوا أبني القدير" ، ومعناها أيضا أمر غير مباشر للأبن نفسه:
"أنا آمر ابني بأن يأمركم".
وتمت الطاعة عند الأبن وعند الخدام:
"إملأوا الأجاجين ماء ، فملأها الى فوق" .وتابع يسوع:"استقوا الأن وناولوا وكيل المائدة...".
وفي هذا السياق تضمحل المشكلة المُثارة حول كلمات المسيح لوالدته قبل مطاوعته لها في القيام بالمعجزة: " مالي ولك أيتها المرأة ؟.